رحلتي من الفوضى إلى التركيز في عالم البرمجة
في عالم البرمجة السريع، حيث تتزاحم المهام وتتداخل المشاريع، وجدت نفسي أغرق في بحر من المماطلة وعدم التنظيم. كانت أيامي تمر بين انتقال عشوائي بين المهام، واجتماعات متقطعة، وفترات تركيز قصيرة لا تتناسب مع التعقيد الذي تتطلبه كتابة الكود الفعال. كنت أبحث عن [طريقة لزيادة الإنتاجية في البرمجة] تخرجني من هذه الدوامة، وجربت عشرات النصائح والمناهج، من تقنية بومودورو إلى منهجيات إدارة المشاريع المعقدة. لكن النقلة النوعية الحقيقية لم تحدث إلا عندما تبنت عادة يومية بسيطة وغيرت علاقتي بالكود بشكل جذري. هذه العادة لم تكن أداة سحرية، بل كانت منهجية تفكير وتنفيذ مستدامة حولت [برمجة أكثر كفاءة] من حلم إلى واقع معاش.
جلسة التخطيط والكتابة الصباحية اليومية
العادة التي غيرت كل شيء ببساطة هي: **جلسة تركيز صباحية لمدة 90 دقيقة، مخصصة حصرياً لتخطيط وكتابة الكود لأهم مهمة في ذلك اليوم**. هذه الجلسة ليست مجرد وقت للبرمجة، بل هي طقس يومي منظم يبدأ قبل فتح البريد الإلكتروني أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى الرد على الرسائل. في هذه الفترة، يكون العقل في ذروة نشاطه وصفائه، وأستغلها للغوص في أعقد مشاكل البرمجة التي تتطلب أعمق مستويات التركيز. جعلت هذه الجلسة [تطوير البرمجيات] عملية متمركزة حول الإنجاز بدلاً من رد الفعل.
لماذا 90 دقيقة بالتحديد؟
جربت فترات مختلفة، من 25 دقيقة كما في تقنية بومودورو إلى ساعتين كاملتين. وجدت أن 90 دقيقة هي النقطة الذهبية. فهي طويلة بما يكفي للدخول في حالة "التركيز العميق" وحل مشكلة برمجية معقدة، وقصيرة بما يكفي لمنع الإرهاق الذهني. خلال هذه الفترة، أحرص على إزالة جميع مصادر التشتيت: هاتفي في وضع الطيران، وإغلاق جميع نوافذ المتصفح غير الضرورية، وتفعيل وضع "عدم الإزعاج" على جميع التطبيقات. الهدف هو خلق فقاعة زمنية يصبح فيها الكود هو العالم الوحيد الذي أتفاعل معه. هذا النهج هو جوهر [برمجة بتركيز عالٍ] والذي يضمن أن أكون في أقصى حالاتي الإبداعية والفنية.
البنية الثلاثية: التخطيط، التنفيذ، المراجعة
هذه الجلسة الصباحية لا تعتمد على العشوائية، بل لها هيكل واضح ومحدد يقسمها إلى ثلاثة أجزاء متسلسلة. هذا الهيكل هو الذي يحولها من مجرد فترة للبرمجة إلى محرك للإنتاجية الحقيقية.
الجزء الأول: التخطيط الذكي (15 دقيقة)
لا أفتح المحرر وأبدأ في الكتابة على الفور. أول 15 دقيقة مخصصة للتخطيط الدقيق. أفتح دفتر ملاحظاتي وأكتب بإيجاز: ما الهدف النهائي من جلسة اليوم؟ ما هي القطعة الصغيرة من الكود التي سأكتبها أو المشكلة التي سأحلها؟ أحاول تفكيك المهمة إلى خطوات أصغر يمكن تنفيذها في الوقت المتبقي. على سبيل المثال، بدلاً من كتابة "بناء نموذج المستخدم"، أكتب "إنشاء جدول قاعدة البيانات للمستخدم، كتابة دوال التحقق من صحة البيانات للمستخدم، وكتابة اختبار وحدة للحقول الأساسية". هذا التفتيت يجعل المهام الضخمة قابلة للتنفيذ ويقلل من [التسويف في البرمجة]. في النهاية، أحدد مهمة واحدة رئيسية سأركز عليها خلال الجلسة.
الجزء الثاني: التنفيذ العميق (60 دقيقة)
هذا هو قلب الجلسة. 60 دقيقة من البرمجة المركزة دون انقطاع. أطبق مبدأ "الكود يعمل أولاً، ثم الكود النظيف لاحقاً". أي أن هدفي الأساسي هو جعل الكود يعمل بالوظيفة المطلوبة، حتى لو لم يكن مثالياً من الناحية الجمالية. هذا يمنعني من الوقوع في فخ "الكمالية" الذي يتسبب في شلل الإنتاجية. أثناء الكتابة، إذا تذكرت شيئاً مهماً غير مرتبط بالمهمة الحالية، أدونه بسرعة في دفتر الملاحظات وأعود للتركيز فوراً. لاحظت أن هذه الممارسة وحدها قللت من القفز بين المهام وزادت من [جودة الكود] التي أخرجها، لأن عقلي يركز على حلقة واحدة مغلقة من المشكلة بدلاً من تشتيت الطاقة الذهنية.
الجزء الثالث: المراجعة والتوثيق (15 دقيقة)
آخر 15 دقيقة لا تقل أهمية. أتوقف عن الكتابة وأراجع ما أنجزته. هل الكود يعمل كما هو متوقع؟ هل هناك أخطاء واضحة؟ أقوم بإجراء اختبار سريع. ثم أقوم بتوثيق ما فعلته باختصار: ما الذي عملته، أي قرارات تقنية اتخذتها ولماذا، وما هي الخطوة التالية المقترحة. هذا لا يساعدني في اليوم التالي فحسب، بل يخلق سجلاً قيماً للمستقبل. هذه الخطوة حوّلت [عملية تطوير البرمجيات] من سلسلة مهام منفصلة إلى سلسلة متصلة من التقدم الملموس.
التأثير الملحوظ: كيف غيرت هذه العادة إنتاجيتي في البرمجة؟
بعد شهر من الممارسة المنتظمة، بدأت ألاحظ تغييرات جوهرية ليس فقط في كمية العمل، بل في نوعيته وطريقة تفكيري.
قفزة في الجودة والكفاءة
أصبح الكود الذي أكتبه في هذه الجلسات أكثر متانة وأقل أخطاء. لأن العقل كان مركزاً بالكامل، أصبحت أتجنب الأخطاء السطحية التي كنت أرتكبها سابقاً بسبب التشتت. كما أن ممارسة المراجعة السريعة في نهاية الجلسة تلتقط العديد من المشاكل قبل أن تتراكم. من ناحية الكفاءة، وجدت أن الحلول التي أتوصل إليها خلال هذه الفترات تكون أكثر أناقة وكفاءة، لأن لدي مساحة ذهنية للتفكير في المشكلة من زوايا متعددة بدلاً من البحث عن أول حل يعمل.
انهيار مشكلة "المماطلة"
كانت المماطلة عدوتي اللدودة، خاصة مع المهام المعقدة أو المملة. هذه العادة حطمت هذه الدورة. بمجرد أن أعلم أن لدي 90 دقيقة فقط للتركيز على شيء واحد، يصبح من الأسهل psychologically البدء. كما أن تقسيم المهام إلى أجزاء صغيرة خلال مرحلة التخطيط يجعلها أقل إرهاقاً. لم أعد أواجه تلك اللحظة المخيفة من التحديق في شاشة فارغة، لأن لدي خريطة طريق واضحة أتبعها.
تحسن ملحوظ في التعلم والاحتفاظ بالمعلومات
عندما تتعلم تقنية برمجة جديدة أو مكتبة مختلفة، فإن تطبيقها في هذه الجلسة المركزة يزيد بشكل كبير من فهمك واحتفاظك بها. لأنك لا تقرأ فقط، بل تطبق بعمق. لاحظت أن المفاهيم التي تدربت عليها خلال هذه الجلسات أصبحت جزءاً طبيعياً من أدواتي البرمجية، بينما تلك التي تعلمتها في فترات متقطعة تطلبت مراجعة متكررة. هذا يجعل من هذه العادة أداة قوية لـ [تحسين مهارات البرمجة] باستمرار.
التكامل مع بقية اليوم: من التركيز العميق إلى المهام الخفيفة
السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا عن بقية المهام؟ الجلسة الصباحية لا تلغي بقية اليوم، بل تعيد تنظيمه. بعد انتهاء الـ 90 دقيقة، أشعر بإنجاز قوي يمنحني زخماً إيجابياً لبقية اليوم. المهام الأخرى، مثل الرد على البريد الإلكتروني، وحضور الاجتماعات، ومراجعة طلبات الدمج، تصبح أسهل في التنفيذ لأن الضغط النفسي لإنجاز العمل الإبداعي قد زال. أصبح بقية اليوم مكملاً للجلسة الصباحية، حيث أركز على المهام الأقل تطلباً للطاقة الذهنية. هذا التقسيم الذكي للطاقة هو سر [إدارة الوقت للمبرمجين] الفعالة.
التكيف مع الظروف المختلفة
بالطبع، الحياة ليست مثالية. هناك أيام تكون فيها الظروف غير مواتية. المفتاح هو المرونة. إذا لم أستطع الحصول على 90 دقيقة كاملة، أحاول الحصول على 60 أو حتى 45 دقيقة، مع الحفاظ على نفس الهيكل الثلاثي (تخطيط، تنفيذ، مراجعة) ولكن بمقاييس أصغر. المهم هو عدم كسر chain الاستمرارية. الاستمرارية هي التي تبني الزخم وتجعل العادة جزءاً لا يتجزأ من روتينك اليومي.
الخاتمة: رحلة الألف سطر برمجي تبدأ بجلسة واحدة مركزة
الانتقال من مبرمج يعمل بردود الفعل إلى مبرمج يستخدم التركيز العميق كسلاح رئيسي كان أحد أكثر التغييرات تأثيراً في مسيرتي. هذه العادة البسيطة ــ جلسة التركيز الصباحية ــ لم تمنحني فقط [زيادة الإنتاجية في البرمجة]، بل أعطتني شعوراً بالسيطرة على عملي ووقتي. لم تعد البرمجة مصدراً الارهاق والتوتر، بل أصبحت مصدراً للإشباع والإنجاز اليومي. الأهم من ذلك، أن هذا النهج قابل للتطبيق من قبل أي مبرمج، بغض النظر عن مستوى خبرته أو طبيعة المشاريع التي يعمل عليها. اليوم، أدعوك إلى تجربة هذه العادة لمدة أسبوع واحد فقط. ابدأ بـ 45 دقيقة إذا لزم الأمر. خطط لمهمتك، نفذها بعمق، ثم راجع ما أنجزته. لاحظ الفرق في جودة كودك، في مستوى تركيزك، وفي شعورك بالإنجاز في نهاية اليوم. في رأيي، سر [النجاح في مجال البرمجة] لا يكمن في تعلم أحدث التقنيات فقط، بل في امتلاك الانضباط والمنهجية التي تمكنك من تطبيق هذه المعرفة بشكل فعال ومستمر. ابدأ جلسة تركيزك الأولى غداً، وستندهش من كم الإبداع والإنتاجية الذي كان ينتظر فقط فرصة للخروج.
